Think Culture... Think Growth

FacebookTwitter

Med Culture is a Technical Assistance Unit funded by the European Union for the promotion of culture as vector of Human, Social and Economic Development in South Mediterranean countries. 
READ MORE ABOUT EU COOPERATION

التّغلّب على الحواجز من أجل حراك ثقافي أكبر

التّغلّب على الحواجز من أجل حراك ثقافي أكبر

Cultural Mobility

يواجه فنّانو جنوب المتوسّط عقباتٍ عديدةً تعوقُ عرض أعمالهم، وتدريبهم والتّعريفِ بأنفسِهم خارج حدود بلادهم، وتكمن أُولى تلك العقبات في صعوبة الحصول على التّأشيرة (الڤيزا).

وفي عام 2016، اختيرت الفنّانة الفلسطينيّة مجدل نتيل لبرنامج إقامة في اليونان. تلك الفنّانة المقيمة في غزّة والمتخرّجة في كلّية الفنون الجميلة التّابعة لجامعة الأقصى قدّمت كلّ الضمانات الجدّية في هذا المشروع. وقد كانت تلك الإقامة المقترحة من قبل صندوق روبيرتو شيميتّا مموّلة من الإتحاد الأوروبّي وتهدف إلى "الترويج للثّقافة والتّجوال كعناصر لا غنى عنها في إطار العلاقات الخارجيّة للإتّحاد الأوروبّي." ومع ذلك لم تُعطَ لها التّأشيرة.

وأولى الخطوات لتنقّل الفنّانين، حصولهم على التّأشيرة، ذلك الشرط الذي لا غنى عنه، يقتضي التّسلّح بالصّبر. حيث تستغرق الإجراءات وقتا طويلا وغالبا ما يأتي الرّد بالرّفض. لا سيّما في ظلّ الواقع الأمني الذي نعيشه في السّنوات الأخيرة. فقوانين إصدار التّأشيرات تُعيق المبادرات الموضوعة أساسا لسدّ الفجوة وردم الهُوة بين بلدان الشّمال والجنوب.

 

وبما أنّ مجدل نتيل مواطنة من قطاع غزّة، فلا بدّ لها من الحصول على كتاب دعوة من مؤسّسة ثقافيّة أو من معرض مُعتبر في البلد الذي تنوي زيارته. ومن ثَمّ يُرسل كتاب الدّعوة هذا إلى سفارة بلد الجهة الدّاعية والكائنة في القدس. وعليها قبل ذهابها إلى الموعد، أن تحصل أوّلا على إذن السّلطات الإسرائيليّة لعبور الحدود بين غزة وإسرائيل الأمر الذي قد يستغرق أربعين يوما. تستطرد مجدل: "إذا ما حالفني الحظّ، وحصلت بعد جهد جهيد على التأشيرة، فعليّ أن أتقدّم بطلب مماثل إلى السّلطات الأردنيّة لأتمكن من عبور الحدود وركوب الطائرة."

الخيار الآخر هو عبور معبر رفح الحدودي باتّجاه مصر. ويحتاج هو الآخر إلى التّحلّي بمزيد من الصّبر، تضيف: "كانت المرّة الأخيرة التي سلكت فيها تلك الطّريق، في عام 2013 لاستقلال رحلة القاهرة - روما. إذ حالما يتمّ الحصول على التّصريح بمغادرة غزّة، يتوجّب حينها عبور المعبر الذي لا يُفتَحُ سوى أيّام قليلة في العام لدواعٍ أمنيّة."

 

إجراءات طويلة وغير مضمونة

طريق شاق يعرفه غسّان الحاج جيّدًا. وهو متخرّج في كلّية العلوم السّياسيّة ويعمل في جمعيّة فكرة للفنون التّربويّة في قطاع غزّة. فقد مُنح خلال برنامج منظّم من قبل "ثقافة ميد" تصريحا لعبور نقطة معبر إيريز في يوم سفره المقرّر إلى الدّار البيضاء. يقول: " لقد اتّصلت بي السّلطات الإسرائيليّة في التّاسعة صباحًا لتبلغني بأن طلبي قد قُبل. حيث كان من المستحيل أن أصل إلى مطار عمّان في الوقت المحدّد. ولولا أنّ المنظّمين قاموا بتأجيل رحلتي إلى اليوم التّالي لما تمكنّت في النّهاية من السّفر إلى المغرب."
ووفقًا له، فإنّ أكثر ما يزعج، إلى جانب الوقت الطّويل الذي يستغرقه كل طلب، هو غياب المعايير الموضوعيّة في منح التّأشيرات، يضيف متأسّفا: "فلا أحدَ يعرف لم رُفضَ طلبُه، بما في ذلك الجانب الأردنيّ. فأحيانًا ما يتمكّن وأخرى لا."
وفي ليبيا، ومنذ بداية عام 2017، تقرّر على جميع المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و45 أن يحصلوا على إذن السّلطات المختصّة للسّماح لهم بمغادرة البلاد. والباعث على ذلك هو: منع الشّباب الليبيّ من الانضمام إلى صفوف تنظيم الدّولة الإسلاميّة. وما زاد الطّين بلّة بالنّسبة للفنّانين اللّيبيّين هو إغلاق معظم الممثّليات الدبلوماسيّة في البلاد. ما أوجب السّفر إلى تونس لاتّخاذ الخطوات اللازمة، والانضمام إلى الطّوابير الطّويلة في نقطة رأس جدير الحدوديّ، والقيام برحلة بطول 750 كم تقريبا بين العاصمة التّونسيّة وطرابلس.

ويستحيل رسمُ صورة واحدة للصّعوبات التي تواجه الفنّانين من منطقة جنوب المتوسّط. فبالنّسبة لعُمر أبي عازر، وهو عضو في مختبر المسرح اللّبناني زُقاق، فإنّ العُبور لم يعُد مُشكلة إذ يقول: "نحنُ في السّاحة منذ عشر سنين، ومعظم الأعضاء لديهم تأشيرة شينغن. أمّا بالنّسبة للفنّانين السّوريّين فتلك مسألةٌ أُخرى."  وكثيرًا ما تُجهض المشاريع لعدم وجود الوقت الكافي للتّقدّم من أجل الحصول على التّأشيرة.

يسجّل عُمر أبي عازر اعترافا مريرا لواقع العالم العربي الذي يمرّ بمأزق على حدّ وصفه إذ يقول: "إنّ الاستقلال المالي

وحتّى الفكري يجعل المَشاهد الغربيّة حيويّة لمشاهدي العالم العربيّ. والعديد من الهيئات في الغرب عملت وما زالت تعمل على قضيّة العبور والتّنقّل، غير أنّ هذا لا يحدّ من التّعالي الذي يميّز مرحلة ما بعد الاحتلال والذي يحكم العلاقة ويُترجم بالحاجة إلى الحصول على تأشيرة."

ويخضعُ فنّانو منطقة جنوب المتوسّط، سواء رغبوا في المشاركة في ورشة عمل أو عرض عملهم أو تطوير سُوقهم، لإجراءات غير متوقّعة، مكلفة وطويلة، دون اللجوء بالضرورة إلى المعلومات اللازمة لمعرفة التّعليمات الإداريّة. ووفقًا لتقرير مؤشر القيود على التّأشيرة[i] من 2015 إلى 2017، فإنّ حركة العبور الحرّ تُعدّ أمرًا بالغ الأهمّيّة لمواطني البلدان التي هي في حالة حرب (فلسطين، السودان، إريتريا، اليمن، ليبيا، الصومال، سوريا، باكستان، العراق وأفغانستان) إضافة إلى مواطني الدّول التي تمرّ بأزمات اقتصاديّة وسياسيّة حيث يعانون من صعوبة الحصول على تصريح لدخول البلدان الأجنبيّة.

ومن المناقضات في هذا السّياق، وفقا لماري لو سورد، الأمين العام لشبكة On The Move، وهي متخصّصة في قضايا الحراك الثّقافي، أنّ التبادلات الفنّيّة الإقليميّة باتت أكثر تعقيدا. إذ تلخّص الوضع بقولها: "أحيانا ما يكون سفر فنّاني جنوب المتوسّط إلى برلين أسهل منه إلى تونس. ناهيك عن المسائل الإدارية التي تعوق تلك التّبادلات أيضا، سواء منها المتعلّقة بالتّأشيرات، والتّنقّل الدّاخلي."[ii] "وفي الواقع، لا يعرف الفنّانون المغاربة أحيانا إلّا القليل عن نظرائهم الأردنيّين أو اللّبنانيّين."

وأمّا المغرب فقد قرّرت منذ 2015 أن تفرض على الراغبين بدخول أراضيها من الرّعايا السُّوريّين واللّيبيّين أن يتقدّموا بطلب للحصول على تأشيرة. وتركيّا فعلت الشيء ذاته في عام 2016، حيث عادت لفرض طلب التّأشيرة على المواطنين السّوريّين القاصدين أراضيها. والمُشاهد لمسرحيّة "بينما كنت أنتظر" للكاتب المسرحي السّوريّ محمّد العطّار ومن إخراج عُمر أبو سعده يجد أنّها جمعت شمل كوميديّين من أنحاء المنطقة. وكان على الفرقة المسرحيّة التي تتدرّب في تركيّا أن تبحث لها عن مكان آخر للاجتماع، الأمر الذي لم يكن يخلو من صعوبات، لمناقشة الحصول على تصاريح إقامة لهؤلاء الفنّانين القادمين من الأردنّ، مصر، لبنان وسورية.

 

صعوبات إبداعيّة

في مواجهة هذا التحدي القاسي والمتجدد، يلجأ الفنانون أحيانا إلى الاتجاه المعاكس ويغذّون أعمالهم بهذه العقبات. كما هي الحال لدى الفنّانة والمصوّرة الفلسطينيّة إميلي جاسر حيث يسوقها موضوع العبور إلى الإبداع. وكانت في سلسلة مشروع "سيكسي سيميتي " الذي أُنتج بين 2000 و2002 تمرّر إعلانات صغيرة بهدف إقناع الإسرائيليين بقبول الزواج من الفلسطينيين وبهذا يتمّ منحهم فرصة السّفر. وفي عملها "من حيث أتينا"، تستثمر قوّة جواز سفرها الأمريكي لعبور الحدود، ونقل رسائل الفلسطينيّين في المنفى والشّتات إلى داخل الأراضي المُحتلّة.

مثل ذلك، ما قد حصل للمصوّر الفلسطينيّ ومصوّر الفيديو خالد جرار، الذي مُنع مرارا من السّفر إلى الخارج لعرض عمله، الذي تطرّق فيه إلى موضوع الحدود، ولا سيّما من خلال مشروعه عند نقطة التفتيش. وإذا كان العبورُ مقيدا، فإن الإبداع والخيال هما في نهاية المطاف الوسيلة الأنجع للتغلب على الحواجز.


[i] https://henleyglobal.com/files/download/hvri/HP_Visa_Restrictions_Index_170301.pdf

[ii] http://on-the-move.org/about/ourownnews/article/15173/artists-mobility-and-visas-a-step-forward/